من ينقذ حرائر الشام
بقلم الشيخ / إبراهيم الحقيل
الاقتراب من العرض عند العرب في جاهليتهم خطر يوصل إلى الموت، وكان أهم سبب لوأدهم البنات خشية العار بهن بسبب حرب
أو خطف أو غيره. والفرس كانوا يعرفون هذا الخلق في العرب، فإذا أراد فارسي أن يهين عربيا اقترب من عرضه،
وفي قصة أعظم حرب خاضها العرب في جاهليتهم:
أراد كسرى أن يهين النعمان في بناته، والنعمان يلبس تاج الحيرة، ويدير مملكتها، فعظم ذلك على النعمان فضحى بنفسه
وماله وملكه والحيرة كلها فداء لعرضه، واستودع بناته عند بني شيبان، فلما قضى كسرى على النعمان طلب بناته من بني شيبان
فأبوا تسليمهن، فبعث جيشا لسحقهم وأخذ بنات النعمان عنوة، فاجتمعت العرب كما لم تجتمع من قبل لرد عدوان كسرى
على بنات النعمان، فكانت معركة ذي قار التي كسر فيها العرب الفرس لأول مرة في تاريخهم، فأشعلها العرض،
وعلى صيانته وحفظه اجتمع العرب المتفرقون.
تتبدى لي هذه القصة المؤثرة التي حفظت في التراث العربي بأشعار الأعشى والنابغة وغيرهما كلما سمعت عن قصة عرض مسلمة
يدنس؛ إذ جاء الإسلام ليعزز هذه الخصلة الحميدة في قلوب العرب، وعد النبي صلى الله عليه وسلم من الشهداء
من يموت دفاعا عن عرضه، فقوى هذا التأكيد على صيانة العرض ما كان موجودا عند العرب، حتى إن الخليفة العباسي المعتصم
شكل جيشا كبيرا وقاده بنفسه، لأجل امرأة واحدة فقط استصرخته، ففك قيودها من علوج الروم، وكانت أعظم منقبة
تميز بها المعتصم؛ لأن المسألة عنده مسألة مبدأ، وليست مسألة عدد، فالاعتداء على امرأة مسلمة واحدة
كأنه اعتداء على نساء الأمة كلهن.
وأقارن ما نقرأ في السيرة والتاريخ بما عشناه خلال عقود من فواجع انتهاك أعراض الحرائر المسلمات التي لم يتحرك
مسلم لأجلهن! فما الذي أصابنا؟!
(المزيد…)